قف أيها القارئ!
لعلك تعجبت من عنوان المقال الذي بين يديك؟
والأعجب من ذلك أن تعلم أن الحقيقةَ التي يجبُ أن نؤمن بها جميعاً أن مع إنفتاح العالم بعضه على بعض لابد من التقدم والرقي للرجال والنساء وذلك بالتعري وخلع اللباس!!
أيها القارئ! لا تظن أن هذه كلمات نقلتها من كتاب وأريد أن أعلق عليها! لا، ولكنها كلمات كتبتها بكامل قواي العقلية أن التعري وخلع اللباس هو الطريقة الصحيحة للحصول على السعادة الحقيقية!
لماذا يحوم حول الحمى من يريد التقدم والرقي؟ هذا يدعو إلى الإختلاط في الصفوف الأولية التعليمية! وهذا الشاب يسعى في إصطياد الفتيات! وهذا يدعو إلى مشاركة المرأة للرجال في الميدان! وآخر يسعى جاهداً أن تمارس الرياضة البدنية في مدارس البنات! وهذه المرأة لاتستحي من مخاطبة الرجال الأجانب والتغنج في كلامها والتكسر! وآخر يدعو إلى قيادة المرأة وإطلاق زمام الحرية لها في كل شيء! وغير ذلك، وكلها تنتهي بالتعري وخلع اللباس! وأنا أقول: لماذا تحومون حول الحمى؟ فمع الإنفتاح الغير منضبط على العالم، وإنتشار القنوات الماجنة التي أصبحت في متناول الأيدي عبر الجوالات والمواقع الإلكترونية بحثاً عن السعادة! أقول:
أخطأتم الطريق أيها الباحثون عن السعادة! إن السعادة في التعري وخلع اللباس!
وكأني بك أيها الغيور قد أنكر قلبك هذه الكلمات التي خالفت الفطرة والمنهج الذي تعتقده وتؤمن به من الطهر والعفاف! ولكن رويدك فأنا أعي ما أقول وما أكتب وما أدعو إليه، فدونك الأسطر التالية اقرأها وتمعن فيها، فإذا قرأتها فقل بعد ذلك ما شئت، فإما أن نقتنع جميعاً أنه لابد من التعري وخلع اللباس أو نعود إلى ما كنا عليه.. فأقول:
إن جلسة تأمل وتفكر في واقع الأمة المحمدية بين جيلها الأول وبين هذا الجيل، لتنتهي بالمتأمل إلى ملاحظة الفروق الكبيرة والبون الشاسع بين الجيلين..
وإن إعادة النظر مرةً أخرى وتقليب البصر فيهما لعل المؤمن أن يجد تشابهاً بين تمسك الجيل الأول بالوحي الرباني وبين هذا الزمن ليجعل البصر يرتد خاسئاً وهو حسير..
ولولا ما وعد الله تبارك وتعالى به هذه الأمة من النصر والتمكين -وإن طال الزمن- لخشي المؤمن أن يفضي به ذلك التأمل والتفكير إلى اليأس من الإنتصار والعودة إلى ما كانت عليه من العزة والغلبة، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، وقال سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة :21]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173]، وغيرها من الآيات.
وفي السنة النبوية من الأحاديث الصحيحة ما يرفع الهمم، ويبث في النفس الأمل، قال صلى الله عليه وسلم «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِك» وغيره من الأحاديث النبوية.
إن من تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية ليجد أن سبب إعراض كفار قريش عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصد الناس عنها والكيد لها من أجل إطفاءها في مهدها هما سببان أو لباسان رئيسيان:
¤ اللباس الأول: الجهل والتقليد! أي جهلهم بعظمة الله وتوحيده والتمسك به، والجهل بعظمة الشرك وفعله، وتقليدهم للآباء والعظماء في عاداتهم وعباداتهم، قال سبحانه ذاماً لهم هذا الجهل {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر:64]، وقال في ذم التقليد {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:22]، وفي الآية الأخرى {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف:23].
¤ اللباس الثاني: إتباع الهوى! أي إتباع الهوى في عدم ترك شهوات النفس المحرمة، قال سبحانه في ذمه {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]، وقال سبحانه لنبيه داود عليه السلام {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26].
والناظر بعين البصيرة لحال الأمة في هذا الزمن وهذا العصر يجد أن هذين اللباسين: لباس الجهل والتقليد ولباس الهوى هما سببا البعد والتخلف عن ركب سلف الأمة! نعم أيها الأحبة.
فقلّب ناظريك في غربة التوحيد الخالص بين عباد القبور في البقيع وغيره، وفي المزارات والأضرحة في الدول الإسلامية المجاورة! هل سببه إلا إرتداء لباس التقليد للآباء وعلماء الضلال والجهل بعظمة التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل والأنبياء؟
وإنظر إلى غربة تحكيم شرع الله وسَن القوانين الوضعية، والسفر إلى بلاد الكفار والنظر في محاكمهم! هل سببه إلا ارتداء لباس الهوى في محاكاة الغرب الكافر والإنفتاح على العالم والجهل بخطورة التشريع من دون الله؟ قال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
وانظر إلى غربة مبدأ الولاء والبراء وحذفه من المناهج الدراسية وتمييعه، حتى نشأ فينا من يسمي أعداء الله بالأصدقاء ومثل هذه العبارات، هل سببه إلا لباس الجهل بنصوص الشريعة التي تحذر من موالاتهم ومحبتهم؟
وانظر إلى غربة أهل السنة والجماعة في الدول المجاورة في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها وسكوت المسلمين عن نصرتهم! هل سببه إلا الجهل بخطورة خذلانهم وإرتداء لباس الهوى والخوف على المناصب الدنيوية؟ ومما تشكر عليه مملكتنا الأذن والسماح بالقنوت لإخواننا أهل السنة في سوريا مناصرةً لهم وإستنكاراً للإرهاب الأسدي ومعاونيه.
وانظر إلى من حولك في الصحف والمجلات من بعض الكتاب المنافقين واللبراليين والعلمانيين، ماذا يريدون من مطالباتهم في تحرير المرأة؟ إنهم يريدون إشباع رغباتهم الجنسية وعيونهم الجائعة في النظر إلى نساءنا المسلمات وهن متبرجات سافرات! حتى أدى السكوت عن ردعهم إلى ظهور من يسب الله سبحانه في مقالاتهم وكتاباتهم ويسب نبيه صلى الله عليه وسلم، كل ذلك لأنهم لبسوا لباس الهوى في تحقيق ما يريده الغرب والجهل بمراقبة الله لهم فيما يكتبونه، قال سبحانه: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79].
ويصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» أي فمن هؤلاء إن لم يكونوا اليهود والنصارى.
وانظر إلى غربة التمسك بالأوامر والنواهي الربانية وتقديم محاب النفس والشهوات على محبة الله ورسوله!
فهل إمتثل أمر الله من نام عن صلاة الفجر أو ترك الجماعة وصلى في بيته؟ أم لبس لباس الهوى وأخذ بفتوى من يقول إن صلاة الجماعة سنة لأنها وافقت ما يهوى؟ وخاصة مع قرب الإجازة الصيفية وكثرة السهر المفرط، مع أن الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على وجوبها مع جماعة المسجد.
هل إمتثل أمر الله من قدم المباريات والرياضة على مرضاة الله وأوامره أم لبس الهوى وقدمهما على محبة الله؟
هل إمتثل أمر الله من لبس لباس الهوى ونظر إلى المحرمات والنساء مع أن الله يقول {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30].
هل إمتثل أمر الله من أهمل أولاده وبناته وزوجته فلم يجلس معهم ويكن صديقاً لهم! أم لبس الهوى في السهر وجلسة الإستراحات والسمر فيها؟
هل إمتثلت بعض النساء أمر الله عندما خرجت متبرجة ومتعطرة فاتنة ومفتونة أم لبست لباس الهوى في حب الظهور وفتنة الرجال؟
كل ذلك أيها القارئ المحب وغيره كثير سببه إرتداء بعض الرجال وبعض النساء لباس الجهل بعظمة الله وتقليدهم لآبائهم أو علماءهم أو قدواتهم وإرتداءهم لباس الهوى وتقديم محاب النفس على مرضاة الله، قال سبحانه مبيناً ما هو اللباس الحقيقي الذي يقود إلى العزة والتمكين والسعادة {ولباس التقوى ذلك خير} فكلما حقق المؤمن أو المؤمنة التقوى في نفسيهما إستنار القلب وفاض هذا النور حتى ظهر على الجوارح، فتجده في الظاهر متمسكاً بهدي النبوة في سمته وقوله وفعله، وفي الباطن مراقباً لله تبارك وتعالى.
ولذلك أيها المبارك تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وقبل النبوة لما تعرَّ من حظوظ النفس في تعامله مع الناس ولم يوافق قريشاً على الجهل والتقليد واتباع الهوى أطلقوا عليه الصادق الأمين أي الصادق في أقواله وأفعاله والأمين في تعامله مع الناس صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية أهمية التعري من هذين اللباسين الجهل والتعصب -أي التقليد- عندما قال:
وتَعرّ من ثوبين من يلبسهما *** يلقى الردى بمذمة وهوانِ
ثوب من الجهل المركب فوقه *** ثوب التعصب بئست الثوبانِ
وإن سألت أيها الموفق عن علاج اللباسين: لباس الجهل والتقليد ولباس الهوى فهو كالآتي:
۱= علاج الجهل يكون بالعلم الشرعي والتفقه في دين الله وترك ما يسبب لك الغفلة من مسموع أو مقروء أو مرئي.
۲= علاج الهوى والتقليد يكون في تحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة طريقة تعامله مع المجتمع وتقديم سنته وقوله وفعله على كل أحد.
أخيراً.. تذكر أيها القارئ هذه العبارة واكتبها بماء الذهب وعلمها أبناءك وأصدقاءك وكل مسلم: إذا أردنا العزة والتمكين والسعادة الحقيقية فلا بد من التعري من حظوظ النفس وخلع لباس الجهل والتقليد ولباس الهوى سواء في مقالاتنا أو في كلامنا أو في تعاملنا أو في قيادتنا للناس أو في نصرتنا للمسلمين أو في طلبنا للرزق أو في أي شأن من شؤون حياتنا كلها.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا جميعاً لباس التقوى، وأن يثبت قلوبنا على دينه، وأن ينصر أولياءه وحزبه، وأن يرزق ولاة أمرنا البطانة الصالحة، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الكاتب: صالح بن محمد الطامي.
المصدر: موقع المحتسب.